مقارنات في تجربة الادارة الذاتية

آراء وقضايا 26 يونيو 2017 0
مقارنات في تجربة الادارة الذاتية
+ = -

بقلم الكاتب : نورالدين عمر

تجربة الإدارة الذاتية في روجافا و منذ بداية تأسيسها تعرضت للعديد من الانتقادات و الاتهامات ، منها ما هو محق و يستوجب التوقف عنده و تصحيح الممارسات الخاطئة التي تواكب عملية التأسيس ،و منها ما هو غير محق و يعبر عن العداوة المكشوفة لهذه التجربة التي هي من أفضل النماذج في الساحة  السورية ككل .
الإدارة الذاتية الديمقراطية لم تكن تجربة شبيه أو لم تكن نسخة  عن تجربة دولة متحضرة كالسويسرة ، التي غالبا ما يتم مقارنة تجربة روجافا بها باعتبارها تضم كانتونات مثل الدولة السويسرية . و من الظلم و الإجحاف التهجم على ممارسات الإدارة الذاتية عبر مقارنتها بالتجربة السويسرية أو بتجربة اي دولة متحضرة أخرى . فهذه المقارنة خاطئة  و تشبه إلى حدا منا مقارنة قوة طالب يبدأ بالتدريب على الملاكمة مع أحد أبطال الملاكمة في الأوزان الثقيلة .
تجربة السويسرية أو تجربة العديد من الدول الغربية في بناء أنظمة ديمقراطية هي نتيجة نضال و كفاح استمرار عشرات و مئات السنين ، و كذلك هي نتيجة ثقافة و ظروف معينة تختلف كليا عن ثقافة و ظروف الشرق الأوسط المكبل بقيود العبودية و الدين و العادات والتقاليد البالية .
و رغم الحديث عن الثقافة و الظروف و لكن هذا ليس تبريرا للممارسات المنافية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. فأي سلطة أو إدارة و مهما تكن ظروفها عليها تأمين حياة كريمة للمواطنين و الا فإنها ستكون مقصرة و متهمة .
لكن ماذا لو تم تطبيق نموذج غربي متحضر بكل قوانينه و دساتيره و ممارسته على روجافا و شمال سوريا ؟ هل بإمكان هذا النموذج الصمود و التطور ؟ هل سيكون مقبولا جماهيريا ؟ .
الأزمة السورية و رغم مرور سبعة سنوات على بدايتها لم تفرز و لم تأسس في أي منطقة من المناطق السورية أية إدارة ديمقراطية ، رغم أن العشرات من الفصائل و منظمات تسيطر على مناطق واسعة و شكلت دويلات و إدارات و سلطة تنفيذية و قضائية و تشرع القوانيين . فأغلبية هذه الدويلات أو الإمارة المعلنة و الغير المعلنة هي نماذج دينية متطرفة لا تعترف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. و تبقى تجربة روجافا هي الوحيدة في الساحة السورية عموما التي تلتزم بمعايير حقوق الإنسان و تعترف بالديمقراطية كفكر و نهج و ممارسة .
و لكن تجربة روجافا متهمة من القومويين الكرد و العرب  . فالإدارة الذاتية بنظر القومويين الكورد تنازلت عن حقوق الكورد و شطبت اسم كوردستان و روجافا ، و هي تخدم و تطبق أوامر النظام للقضاء على كل ما هو كوردي . بالمقابل يتهمها القومويين العرب في ما تسمى الشخصيات المعارضة ،  إنها ترتكب مجازر و تعمل على تهجير سكان العرب و التركمان و إسكان الكورد بدل عنهم في محاولة لتغير تركيبة السكان الأصليين ، و بالتالي تحاول تشكيل دولة كوردية في شمال سوريا و تعمل بالتنسيق مع النظام على تقسيم سوريا و تشكيل كيان كوردي انفصالي .
إذا القومويين الكورد و الغير الكورد يختلفون في نقطة واحدة و هي ان الإدارة الذاتية هي كوردية بنظر القومويين العرب ، و غير كوردية بنظر قومويين الكورد . و لكنهم متفقين في نقطة واحدة و هي  أن الإدارة الذاتية تخدم النظام .
هذا هو جوهر الانتقادات و لكن بالتفاصيل و التشعبات فإن الإدارة الذاتية هي إدارة شمولية حزبوية مرتبطة بحزب واحد هو حزب PYD الذي بدوره هو فرع من حزب العمال الكردستاني PKK ، و و الاسايش والوحدات الحماية هي وحدات كوردية أو مليشيات حزبية . تجند الناس بالقوة و تفرض الاتاوات و الضرائب و تعتقل كل من يخالفها الرأي .
و توضيحا لبعض النقاط المتعلقة بشأن الإدارة الذاتية :
اولا – لن ندعي أن تجربة الإدارة الذاتية لا تتضمن اية  ممارسات منافية لمعايير حقوق الإنسان. و يعترف المسؤولين في هذه الادارات بالأخطاء و النواقص التي حصلت و تحصل .و هي تجربة تتطور و يجري فيها تعديلات و تغيرات منذ بداية تأسيسها و حتى الآن .
ثانيا- هي تجربة متأثرة بافكار و النظريات التي وردة في مرافعات أوج الآن ، و هي متاثرة كذلك بأفكار منظومة المجتمع الكردستاني و حزب العمال الكردستاني ، و لكوادر و أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الدور الفعال في تأسيس و تطوير هذه الإدارة،  و الأفكار الحزبية و حتى نموذج الإدارة تأثروا بافكار و أيديولوجية الحزب  .و للكوادر الحزبية دور فعال بل أساسي في تأسيس قاعدة متينة لهذه الإدارة . و كان من غير الممكن في ظروف روجافا بناء اي إدارة بعيدة عن الأفكار الأيديولوجية و بدون كوادر منظمة و منضبطة و مضحية.

ثالثا – الثقافة و الظروف السائدة في المنطقة عموما تستوجب تأسيس إدارة ديمقراطية تأخذ بالحسبان العقلية و الفكر السائد و طريقة التعايش بين المكونات .  فتأسيس اي إدارة قوموية ستؤدي بالنتيجة إلى التصادم بين المكونات . لأن المكونات في سوريا عموما و في روجافا خصوصا متداخلة بسبب جملة من الظروف و الممارسات السلطوية السابقة . و لذلك كانت الإدارة الذاتية و منذ بداية تأسيسها إدارة تشاركية لكل المكونات و أن كان للكورد الدور الأساسي في التأسيس . فهي ليست إدارة كوردية قوموية كما يتهمها القومويين العرب ، و ليست إدارة تنازلت عن حقوق الكورد كما يتهمها القومويين الكورد. بل هي إدارة يشارك فيها كل المكونات العرقية و القومية دون إقصاء اي مكون . و هذا بحد ذاته إنجاز يحسب للإدارة الذاتية .فهي لم تنجر إلى الحرب الأهلية كما أرادها القومويين العرب و هي لم تمارس التهجير بحق اي مكون كما أرادها البعض من القومويين الكورد .
و يعتبر القوانيين و الدساتير الإدارة الذاتية متطورة و متقدمة و ليس فيها ما يخالف معايير حقوق الإنسان و هناك عدالة بين الجنسين و بين مختلف المكونات. مع مراعاة ظروف و ثقافة مجتمعنا .
الإدارة الذاتية التي تتجه إلى وضع أسس قوية لفيدرالية في شمال سوريا و المرشحة أن تكون البديل الأكثر قبولا شعبيا و دوليا في عموم سوريا مستقبلا . ستشهد تطورات و تغيرات و توسيع في رقعة الجغرافية، و مع تحرير الرقة ستدخل مرحلة جديدة تكون فيها مناطق الفيدرالية مركز و منطلق للمعارضة السورية الديمقراطية من أجل أحداث التغير الديمقراطي الشامل في عموم سوريا .

.

“ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولايعبر بالضرورة عن رأي الموقع”

 

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك