مكافاة اوباما للجربا هدية دبلوماسية متواضعة/عبدالباري عطوان

آراء وقضايا 07 مايو 2014 0
+ = -

عبد الباري عطوان

لا شك ان قرار الادارة الامريكية بفتح “مكاتب دبلوماسية” للائتلاف الوطني السوري المعارض على اراضيها سيشكل “مكافأة” سارة للسيد احمد الجربا الذي يزور واشنطن بدعوة رسمية للمرة الاولى منذ تأسيس الائتلاف، ولكن ما ينتظره السيد الجربا، وائتلافه، هو “الاسلحة النوعية”، والصواريخ المضادة للطائرات على امل تغيير مسار العمليات العسكرية على الارض لمصلحة المعارضة المسلحة، بعد ان حققت قوات الجيش السوري تقدما ملحوظا في الاشهر الاخيرة.

الادارة الامريكية لا تريد ان ترد السيد الجربا خائبا فارغ اليدين، ولذلك قررت ان تقدم له هذه الهدية ربما كبديل عن لائحة طلباته العسكرية الطموحة، وتخفيف حدة الانتقادات لها ومواقفها “المترددة” من قبل المعارضة السورية التي تشعر بخيبة امل من الموقف الامريكي الرافض للتدخل العسكري المباشر على غرار العراق او ليبيا، وينسى هؤلاء ان القاسم المشترك بين البلدين هو النفط، وان نتائج التدخل جاءت كارثية على امريكا والدولتين المعنيتين معا.

***

توقيت القرار الامريكي يجب ان يؤخذ في عين الاعتبار، ولا نستبعد او نستغرب ان يكون جاء ردا على خطوة الرئيس بشار الاسد خوض انتخابات رئاسية، في تحد صارخ واستفزازي للادارة الامريكية وحلفائها، واغلاق كل الابواب في وجه من يحاول تطبيق قرارات مؤتمر جنيف الاول، والبند الثامن منه، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة، وبموافقة الطرفين والغاء اي دور للرئيس السوري.

لا نعرف الاسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الاسد للاقدام على هذا الخطوة المتحدية، خاصة ان مادة في الدستور السوري تنص على وجوب تأجيل اي انتخابات رئاسية او برلمانية اذا كانت اوضاع البلاد الامنية لا تسمح بذلك، ونعتقد جازمين ان حالة الانقسام والاحتراب التي تعيشها سورية حاليا تجسد هذه المادة الدستورية، وتوفر المبرر للتأجيل، اي ان الانتخابات الرئاسية ليست ضرورة ملحة في الوقت الراهن.

اجهزة الاعلام السورية قالت ان الدعوة الى الانتخابات هذه باتت ضرورة حتمية لتجنب حدوث فراغ دستوري، ولكن من سيحاسب نظاما محاصرا يخوض حربا ضروسا، ويساله اذا ما كان وجوده دستوريا ام لا، خاصة في سورية؟ فالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يفاوض اسرائيل لتوقيع اتفاق نهائي للقضية الفلسطينية، انتهت مدته الرئاسية منذ اربع سنوات، ويتفاوض بغطاء امريكي، ورعاية مباشرة من جون كيري وزير الخارجية الامريكي نفسه، ولم نسمع مطلقا اي مسؤول امريكي، او اوروبي، او حتى اسرائيلي، يقول انه رئيس غير شرعي او غير دستوري، بل هو اكثر شرعية من اوباما نفسه طالما انه سيوقع اتفاق يتخلى بمقتضاه عن الثوابت الفلسطينية جميعا.

يصعب علينا ان نتكهن عما اذا كانت هذه “الهدية” التي قدمتها ادارة اوباما للسيد الجربا “يتيمة” ام ان “هدايا” اخرى ستتبعها خاصة ان مدة اقامته في امريكا ستطول عشرة ايام اخرى، ولكن ما يمكن التكهن به ان دولا عربية ستعتبرها ضوءا اخضر لفتح “هيئات” دبلوماسية مماثلة للائتلاف الوطني السوري على اراضيها، ومن غير المستبعد ان تذهب بعضها الى ما هو ابعد من ذلك، وتسليم السفارات السورية المغلقة في عواصمها الى الائتلاف، فواشنطن هي التي تحدد النغمة والباقون يعزفون.

بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات اوسلو قبل واحد وعشرين عاما، وارفقتها باعتراف صريح موثق باسرائيل، سمحت الدول الغربية لها بتحويل مكاتبها التي كانت في اطار الجامعة العربية او ملحقا بمكاتبها الى بعثات دبلوماسية، ومنحتها بعض الامتيازات الشكلية الصغيرة جدا والهامشية التي ترضي العقول الصغيرة، وما زال الوضع على حاله لم يتغير، ولن يتغير، حتى لو تجاوبت السلطة في رام الله مع الضغوط الامريكية الاسرائيلية واعتراف باسرائيل دولة يهودية عنصرية، فهل سيكون ائتلاف الجربا افضل حظا؟

***

امريكا تقدم للمعارضة السورية “لعبة” تتسلى بها، وتشغلها عن مطالبها الاخرى المستعجلة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “مان باد” لانها تعرف ان هذه الصواريخ قد تذهب الى الجماعات الاسلامية المتشددة ولا تستطيع استرجاعها، ثم قد تستخدم من قبلها او غيرها ضد اهداف اسرائيلية او طائرات مدنية لدول حليفة لامريكا.

العروض المغرية التي قدمها السيد كمال اللبواني احد ابرز قادة المعارضة السورية لاسرائيل، ومن بينها التنازل عن الجولان، وتحويلها الى “حديقة سلام”، جاءت بهدف طمأنة واشنطن ضمن اهداف اخرى بأن هذه الصواريخ لن تستخدم ضد اهداف اسرائيلية، ولكن واشنطن تستمع الى حلفائها الاستراتيجيين القدامى ولا تستمع الى حلفائها الجدد، مهما كان حديثهم عذبا ومغريا!

اسرائيل اولا واخيرا بالنسبة الى واشنطن ولم تتغير هذه المعادلة على مدى ستين عاما وليس هناك ما يوحي بغير ذلك في الوقت الراهن او المستقبل القريب على الاقل، ونتمنى للسيد الجربا اقامة هنيئة في واشنطن!

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك