نظرة الشوفينية اتجاه الكورد بين الماضي و الحاضر

آراء وقضايا 26 يوليو 2015 0
نظرة الشوفينية اتجاه الكورد بين الماضي و الحاضر
+ = -

 

المجتمع السوري هو مجتمع متعدد القوميات و الطوائف فبالإضافة إلى العرب السنة الذين يشكلون الأغلبية توجد قوميات و طوائف مثل السريان و الاشوريين و الكلدان و الارمن و الايزيديين و التركمان و الجركس و العلويين و الدروز و لكن القومية الكوردية التي تسكن في مناطق الشمالية و التي تعتبرتاريخيا و جغرافيا جزء من أراضي كوردستان التي قسمت بفعل المعاهدات و الاتفاقيات الدولية بين اربعة دول و هي تركيا و ايران و العراق وسوريا، فهم اي الكورد يشكلون القومية الثانية بعد العرب في سوريا من حيث العدد فهم و باقل التقديرات يصل عددهم الى حوالي 3 ملايين نسمة و يشكلون اﻹغلبية في مناطق الشمالية و خاصة في المدن مثل ديريك و قامشلو و سري كانيه و كوباني و عفرين و يتواجد الكورد في أغلبية المدن و البلدات السورية و خاصة في العاصمة دمشق و مدينة حلب التي تضم اكبر تجمع للكورد في سوريا .
.
و قد تعرض الكورد لسياسة التعريب والصهر و الإنكار من الحكومات السورية المتعاقبة مثل كافة الاجزاء كوردستان الاخرى التي تعرضت لسياسات مشابهة .
.
فقد اعتبر كوردستان الغربية جزء من سوريا و تم تغير اسماء كافة المدن و البلدات و القرى و المناطق و حتى اسماء الانهار و التلال و الوديان من أسماء كوردية إلى اسماء عربية و منع التعليم باللغة الكوردية و اعتبر الكورد و كانه شعب لا وجود له على هذه الأرض و فرض عليهم القبول بالهوية العربية اي بمعنى كل كوردي يحمل الجنسية السورية فهو عليه القبول انه عربي سوري و ليس كوردي و أما القسم المتبقي من الكورد و التي وصل عددهم إلى المئات الالاف فقد حرموا من الجنسية اصلا و فرض عليهم قوانين و إجراءات لا وجود لها مثيلا في العالم ، فالكوردي المحروم من الجنسية ممنوع عليه السفر خارج سوريا و ممنوع عليه ان يملك اي شي و محروم من العمل و التوظيف و غيرها من الممنوعات التي لا يمكن احصائها الآن .
.
الحكومات السورية و بممارستها الشوفينية و العنصرية اتجاه الكورد  و التي وصلت إلى ذروتها مع انقلاب حزب البعث في آذار عام 1963 و استلامه السلطة  ، هذه الممارسات حرمت الشعب الكوردي من كافة حقوقه السياسية و الثقافية و الاجتماعية و تم إبعاد شعب كامل من استلام وظائف سياسية مهمة في الدولة، فجميع الوزارات و الإدارات المهمة السياسية و العسكرية و الأمنية و الدبلوماسية كانت ممنوعة على الكورد .و ليس هذا فحسب فقد كان الإنسان الكوردي مضطرا أن يتخلى عن كورديته مقابل الحصول على أتفه وظيفة حكومية .و لم تكتفي الحكومات الشوفينية بهذه الممارسات اللاإنسانية فقط بل إنشاءت مناطق أمنية او ما يعرف بالحزام العربي في الجزيرة و هي عبارة عن بناء مستوطنات عربية من سكان محافظات سورية جلبتهم الحكومات الشوفينية و أنشئت لهم قرى في المثلث الحدودي او على الشريط الحدودي بين غربي و شمال كوردستان تمتد من مناطق ديريك شرقا الى مناطق سري كانيه غربا و بعمق 10-15كيلو مترا و بين القرى الكوردية بعد ان اغتصبت اراضي الكورد الزراعية و وزعتها على سكان هذه المستوطنات ظلما و حرم سكان الكورد الأصليين من هذه الأراضي التي هي ملكهم أبا عن جد و بدون اي تعويض ، و هذه المستوطنات ما تزال موجودة و رغم ان الكورد كانوا قادرين على تدمير هذه المستوطنات بعد ان سيطروا على اغلبية المدن و المناطق الكوردية بعد تحريرها اعتبارا من 2012 و لكنهم لم يلجئوا الى الانتقام حفاظا على روح التعايش السلمي بين كافة المكونات و هم ما زالوا ينتظرون العدالة لكي تعيد إليهم حقوقهم المسلوبة .
الكورد في سوريا اعتبروا دائما مواطنيين من درجة ثانية بل اعتبروا  كغرباء و مهاجرين و اتهموا دائما بالعمالة للجهات الخارجية كلما طالبوا ببعض حقوقهم المشروعة،  فهو شعب حرم من لغته و ثقافته و نهب أرضه و خيراته و عاش في ظروف حالة طوارئ خاصة أشد وطأة من كافة المناطق السورية الاخرى و في ظل أجواء الاعتقالات التعسفية و التعذيب في المراكز الأمنية .
.
و قد يقال أن الشعب السوري كله كان يعيش أجواء الاعتقالات التعسفية و حالة الطوارىء و الحرمان من الحقوق و هذا صحيح و لكن ما كان يعانيه الكورد كان أشد قسوة فهم بالإضافة إلى أنهم يعانون مثل كل السوريين من ظلم و جبروت النظام والحكومات البعثي إلا أنهم أيضا كانوا الوحيدين الذين يتضرون من السياسات الشوفينية و الإنكار و تغير الديمغرافيا و هم الوحيدين الذين حرموا من التدريس و التعليم بلغتهم ليس فقط في المدارس الحكومية بل حتى في المدارس الخاصة ،و أكثر من ذلك أيضا كان التدريس و التعليم باللغة الكوردية ممنوعة حتى في البيوت . و الكورد كانوا يعيشون و يحسون كل يوم و كل ساعة و كل لحظة ان كل الإجراءات و القوانيين و التعميمات  التي تم وضعها هي في سبيل مزيدا من الازلال و الخضوع لهذا الشعب .فالإنسان الكوردي كانت عبارة “ممنوع التكلم بغير العربية “تلاحقه في الوظيفة و العمل و في المدارس و المعاهد و الجامعات و في خدمته العسكرية و في المحلات و الشوارع و كأن اللغة الكوردية هي اللغة التي ستدمر هذا البلد.
.
و يكفي أن نقول أن اغلب الكورد لا يستطيعون القراءة و الكتابة بلغتهم من جراء هذه السياسات الشوفينية و الذين تعلموا القراءة و الكتابة باللغة الكوردية تعلموها بالسر و في ظروف صعبة جدا ،لقد دمر هذا النظام المجتمع السوري سياسيا و اقتصاديا و أخلاقيا و اجتماعيا و سيطر النزعات الشوفينية و العنصرية على هذا المجتمع و لذلك ترى العربي ينظر إلى الكوردي و كأنه لا يسعى إلا إلى تقسيم و تدمير هذا البلد و بدل ان يقف مع أخيه الكوردي يطالب بحقوقه القومية و السياسية نراه يقف ضد هذه التطلعات و يصفها بشتى الأوصاف الغير الحقيقية ما عدا قلة قليلة نراها تساند و تؤيد حصول الكورد على حقوقهم المشروعة.  و هذه حالة عامة مع الأسف فأغلب الحركات و الفصائل و الأحزاب السورية المعارضة و الغير معارضة نظرتها إلى الكورد و إلى حصول الكورد على حقوقهم المشروعة هي نظرة لا تخلو من الشوفينية و العنصرية ،و ليس هناك حتى الان فصيل او حزب عربي  واحد أقنع الكورد انه يساند حقوقهم المشروعة و كل الشخصيات العربية التي لها شهرة و سمعة و حاولت أن تبين نفسها و كأنها قريبة و صديقة لشعب الكوردي لم تستطع أن تتخلص من عنصريتها و نظرتها الاعلائية اتجاه الكورد ، و الأغلبية من الشخصيات العربية  المعارضة لا تختلف نظرتها عن الكورد عن نظرة محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية في الستينات الذي قال عن الكورد ” ليس هناك شعب بمعنى الشعب الكُردي ولا أمة بكاملها بمعنى الأمة الكردية … ولغته ( اي اللغة الكوردية )ليست بأصل الا لهجات خاصة كلغة ” النور ” ليس أكثر … لا يتعدى الشعب الكردي هذا المجال، حيث لا تاريخ لهم ولا حضارة ولا لغة ولا جنس حتى …
.
اللهم ألا صفة القوة والبطش والشدة.. يجب أن ننظر إلى الأكراد بأنهم قوم يحاولون بكل جهدهم وطاقاتهم وما يملكون لأنشاء وطنهم الموهوم حيث يترتب على هذه النظرة كونهم أعداء ولا فرق بينهم وبين إسرائيل ورغم الرابطة الدينية فأن ( يهودستان ) و ( كردستان ) صنوان “
.
هذه هي باختصار النظرة العربية الشوفينية نحو الكورد  و بدون تغير هذه النظرة فان العرب لن يخسروا الكورد فقط بل سيخسرون سوريا كاملة و هذا ليس اتهاما لشعب العربي الذي يربطه علاقات قوية مع الشعب الكوردي بل هذا حقيقة الشوفينية التي جعلها الأنظمة الشمولية كثقافة مسيطرة على هذا المجتمع .
.
الكورد يسعون لتأمين حقوقهم المشروعة و العيش بحرية  إلى جانب كل الطوائف و القوميات في ظل أجواء حرة و ديمقراطية و ليس لديهم مشاريع تقسيميةو تدميرية و اذا ما حدث تقسيم فان الكورد لن يكونوا هم المسؤولين لأنهم فعلوا كل ما بوسعهم للمحافظة على العيش المشترك و لكن هذه النظرات الشوفينية و العنصرية هي السبب الاساسي لتقسيم و التدمير و القتل و التشريد .
.
نريد دولة تحترم حقوقنا كشعب هذا هو باختصار مطالب الشعب الكوردي و اذا كان هذا المطلب يعتبر سببا لتقسيم فليحدث التقسيم الف مرة ، دويلات عديدة و صغيرة تحترم حقوق الانسان أفضل من دولة كبيرة لا تعترف بحقوق الانسان، و قوة الدولة و شهرتها ليس بكبر مساحتها بل بمدى احترامها لحقوق الانسان، فسويسرا افضل من الصين لانها نموذجا لاحترام حقوق الانسان رغم ان الصين يتفوق عليها في كل شيء ما عدا مسألة الحقوق و الحريات و احترام الإنسان و تقديسه .
.
فسوريا أمامها خيارنا : اما مزيدا من التدمير و الدمار و الخراب و اخيرا التقسيم و اما اتفاق كافة المكونات على نظام ديمقراطي تعددي يحترم خصوصيات كافة القوميات و الطوائف و تشكيل دولة اتحادية او لا مركزية يتمتع فيها الاقاليم و المكونات بصلاحيات واسعة لادارة انفسهم عبر الاعتراف بمناطق او مقاطعات للحكم الذاتي او الادارات الذاتية او اقاليم فيدرالية ليس على اساس عرقي فقط بل عبر شراكة حقيقة لكافة المكونات و القوميات و الطوائف دون تهميش اية مجموعة حتى و ان كانت صغيرة .
نورالدين عمر

https://m.facebook.com/nour1972
https://twitter.com/noureldinomar2

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر