” وطن وقضية “

آراء وقضايا 07 مايو 2015 0
+ = -

 مهما كانت الظروف صعبة و دقيقة فإن قضايا الشعوب تبقى حية و إن تخللتها بعض من الركود في بعض المراحل من الزمن, إلا أنها تنهض من جديد طالما أن أصحابها يملكون حيوية البقاء كمكون مستقل على أرضه, ولطالما أن الشرعية في صالحه لأن يكون حاكماً ومقرراً لمصيره بنفسه كونه يملك كل شروط الأمة والبقاء مستقلاً يحكم نفسه بنفسه.. هكذا هو الشعب الكوردي و هكذا هي قضيته المشروعة.

.

لا أذهب إلى التاريخ بعيداً, والذي أخذ حصته الكافية من مآسي هذا الشعب والويلات التي لحقت به عبر قرن من الزمان على الأقل.. وذلك من خلال محاولات القوميات الأخرى لذوابانه في بوتقتها العنصرية بمختلف الطرق حتى تلك التي أُتُبِعَتْ للتطهير العرقي في أجزاء كوردستان الأربعة..

.

أقول القوميات الأخرى لطالما لم تتحرك تلك القوميات يوماً ضد ممارسات حكامها تجاه شعبنا الكوردي, و أبشع تلك الممارسات كانت الضربة الكيماوية لحلبجة عام 1988 وحملة الأنفال في كوردستان العراق… وذلك على مرآى ومسمع العالم أجمع دون أن يتحرك أحد لمناجاة شعبنا.. لكن جذوة حيوية النضال لشعبنا لم تتوقف يوماً بل زادت غليانها لإصراره و تمسكه بقضيته المشروعة كونها قضية حرية شعب يعاني من أبشع أنواع الإضطهاد. كانت إنتفاضة آذار لعام 1991 في كوردستان الجنوبية صفعة قوية للنظام المجرم في بغداد و رداً حيوياً لجرائمه التي شبع التاريخ منها, حيث تم تحرير الجزء الأكبر من ذلك القسم في ثلاث محافظاتها (دهوك و أربيل و سليمانية) وبقيت كركوك رهينة للمستقبل..

.

سمي الجزء المحرر بإقليم كوردستان كونه بقي من الناحية الدستورية جزءاً من العراق إلا أنه في الحقيقة إنفصل من الناحية الإدارية عن بغداد نتيجة لقرار أممي رقم 688 ليبقى محمية دولية خوفاً من أن يقوم النظام في بغداد من إبادة الكورد في هذا الإقليم إنتقاماً لإنهزامه في عملية تحرير الكويت.

.

ومنذ آذار عام 1991 حتى آذار 2003 أي حتى إسقاط النظام في بغداد و تحرير العراق من سطوته و وحشيته عاش الإقليم مستقلاً ومحاصراً بنفس الوقت من كل الجهات إلا أنه حكم نفسه بنفسه من خلال إنتخابات تشريعية و برلمانية أنتجت حكومة محلية تدير شؤون حياة الناس بشكل مستقل عن بغداد.. إثنتي عشرة سنة والكورد في إقليم كوردستان العراق عاش مستقلاً في ظل حكومة مستقلة عن بغداد..

.

مع الحصار الخانق من كافة أطرافه كان إرادة البقاء مستقلاً أقوى من صعوبة ومعاناة الناس و حرمانه من أبسط مستلزمات الحياة لطالما أن العدو باقٍ يتربصه خلف خط العرض الجغرافي (36).. سقط النظام في بغداد وعاد الكورد إلى جواره العربي السني و الشيعي مقترحاً عليه أساس دولة تشاركية فيدرالية توافقية كون العراق لا يقبل حكومة من لون واحد, والتجربة أثبتت ذلك طوال عمر العراق بعد الإستقلال..

.

فكانت صياغة الدستور من أولى مهمات شعب العراق ليكون عقد شراكة بين مكونات الشعب العراقي و بناء الدولة على أساس ديمقراطية توافقية مما أنتجت شكلاً من أشكال الإتحاد الفيدرالي بين الأقاليم, لكن ومع الأسف الشديد لم ينجح العراقيون في بناء تلك الدولة في أقاليمهم السنية والشيعية عدا عن الكورد الذين أثبتت التجربة على أنهم أهل لبناء دولة ديمقراطية مؤسساتية تحافظ على حقوق الفرد والجماعات بكل ألوانها و أطيافها.. و أن إقليم كوردستان حية والتطور الذي حصل فيه شاهد على أن حكومة الإقليم استطاعت خلال سنوات معدودة بناء أركان الدولة الحقيقية و تحقيق نوع من الرفاه و الإستقرار لشعبها, وكذلك الأمن و الأمان من خلال بناء مؤسسة أمنية (أسايش) والعسكرية (بيشمركة) لمواجهة كل من يعكر صفوة و أمان الإقليم و شعبه..

.

(رب ضرة نافعة).. كانت إنتشار قوات ما سميت بـ(الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”) في سوريا والعراق بشكل مخيف تجربة أخرى أثبتت للعالم أجمع بأن الكورد هم وحدهم في مواجهة الإرهاب بدون أي تردد إعتماداً على قناعاتهم الراسخة بأن الإرهاب وحده كان سبباً لبقائه في هامش الحياة لطالما إتبعت حكومات المسيطرة على الدول الملحقة به أجزاء من كوردستان أساليب إرهابية لكبت وقمع الحريات.. و أن الدكتاتوريات هي من تصنع الإرهاب, وبالإرهاب فقط تباد الشعوب.

.

كانت السيطرة على مدينة موصل من قبل قوات “داعش” والإمتداد إلى المدن الأخرى مذهلة بالنسبة للعالم.. إلا أن توجهها نحو إقليم كوردستان شبهتها بالغلطة التاريخية التي إرتكب هتلر في توجيه قواته بإتجاه إحتلال روسيا إلى أن إنكسر في عقر داره و في عاصمته برلين.. وهكذا كانت غلطة “داعش” عندما وجهت قواتها باتجاه الكورد, يبدو أن الحتمية التاريخية لها ما تستحق على أن تأتي نهاية “داعش” و الإرهاب على أيدي الكورد لطالما أن الطرفان يحاربان إنطلاقاً من عقيدة راسخة, حيث أن “داعش” تمثل الإرهاب و أن الكورد يمثل الجانب الاخر من الحياة التي تتسم بالحرية و الديمقراطية والتعايش المشترك بين الشعوب..

.

لكن الغريب في الأمر يكمن في أن قوات “داعش” كلما إنتشرت بين المدن والقرى العربية يتم مبايعتها من قبل سكان تلك القرى والمدن ولا تلقى معارضة من الأهالي, حيث أن السيطرة على الموصل تم عن طريق تسليم و إستلام من قبل الجيش العراقي الذي سلم للداعش كامل أسلحته و ذخائره لتكون قوات داعش أكبر قوة في المنطقة و تهدد أمن وسلامة المنطقة بأكملها, وهذا ما أدى إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب.. حيث البيشمركة و قوات الكوردية الأخرى من وحدات حماية الشعب أصبحتا جزءاً أساسياً من ذلك التحالف الدولي…

.

من هنا كانت إستحقاقات لا بد من أن تنبه إليها شعوب المنطقة أولاً, وبالتالي الدول ذات الشأن لتحديد موقع الكورد من كل الأحداث وسط أزمة تهدد وجود الكيانات والدول. يواكب إقليم كوردستان العراق الأزمة التي لم و لن تنتهي في العراق وسط إستحالة التعايش السلمي بين المكونين السني و الشيعي من جهة, وعدم إمكانية تنفيذ بنود الدستور العراقي ليكون عقداً تشاركياً بين مكونات شعبه من جهة أخرى, مما تدفع هذه الحالة بالكورد نحو الإستقلال ولطالما أن مستحقات الكورد من ميزانية العراق أصبحت سيفاً يهدد حياة الكورد المعيشية.. كونها تُسْتَعْمَلُ كورقة ضغط على حكومة الإقليم في المسائل السياسية..

.

ولما كانت الدول الإقليمية قد إقتنعت بأن تقدم و إزدهار كوردستان لا يشكل خطراً على أمنها و إستقرارها, بل بالعكس فإن إزدهار الإقليم أوجد مساحة آمنة لإستثماراتها وتبادلاتها التجارية, فلا شك أن إستقلالها سيزيد من إستتباب الأمن في المنطقة و خاصة تلك الدول التي تجاور الكورد بحدودها كتركيا و إيران.

.

من هنا كانت زيارة السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كوردستان العراق إلى واشنطن تكتسب أهمية تاريخية, كونها تحمل في طياتها العديد من المسائل و المباديء الإستراتيجية و الحيوية تهم المنطقة برمتها, وهي تتلخص في ثلاثة مباديء: أولها: محاربة الإرهاب و ترتيب المباديء التي ستنتج من هذه العملية حاضراً ومستقبلاً..

.

ثانياً: تسليح البيشمركة لطالما أثبتت الوقائع على أن الكورد جزء أساسي من تلك الحرب المناهضة للإرهاب عقائدياً و إستراتيجياً, وذلك من دون الرجوع و مراجعة بغداد. ثالثاً: تقديم مساعدات مادية لبناء ما تُدَمَرْ نتيجة هذه الحرب من مدن و قرى, كون الإقليم لا تتحمل ألأعباء المالية لوحدها لإعادة الإعمار و تعويض المتضررين. هذا, كون واشنطن هي الشريك الأساسي في هذه الحرب أولاً, وهي الصديقة من الدرجة الأولى للكورد إلى جانب دول الإتحاد الأوروبي..

.

لذلك كان من أولويات الرئيس مسعود البرزاني زيارة واشنطن و الإلتقاء بالرئيس أوباما وكذلك بالكونغرس الأمريكي و البينتاغون لإطلاع الإدارة الأمريكية على وقائع ما يحصل على الأرض وكذلك مدى هشاشة الوضع الأمني في العراق والذي يسبب إحراجاً لإقليم كوردستان وتهديداً لأمنه…

.

إلى جانب ذلك هناك ملفات تتعلق بالعلاقات المستقبلية بين الكورد و الأمريكان, ولطالما هذه العلاقة تترسخ يوماً بعد يوم و تؤكد على وفاء الكورد لمبادئه و إخلاصه لأصدقائه, ولطالما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حامية للكورد في أشد محنته الإنسانية عام 1990 عند الهجرة المليونية و هي كانت داعمة لإصدار قرار أممي رقم 688 لإعلان كوردستان منطقة آمنة و محمية وهي التي أتاحت للكورد فرصة لبناء إقليمه بنفسه بعيداً عن تهديدات صدام حسين و نظامه المجرم.

.

يبدو أن هذه الزيارة ليست كتلك الزيارات السابقة, كونها تحمل العديد من الملفات, وخاصة تلك التي تتعلق بالقضية الكوردية بشكل عام وما يجب ان يكون مستقبل وطنه كوردستان بعيداً عن التهديدات المتلاحقة من خلال إبعاده عن الأخطار التي تهدد وجوده.. لطالما أن الكورد لا يهدد وجود الآخرين عدا عن الإرهاب الذي يشكل العدو الأول للكورد.

.

——————— أحمـــــد قاســـــم 7\5\2015

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر