《 أسماء الجغرافيا عندما تتبع السياسة.. كردستان سوريا – مثالاً 》

آراء وقضايا 11 أبريل 2021 0
《 أسماء الجغرافيا عندما تتبع السياسة.. كردستان سوريا – مثالاً 》
+ = -

كوردستريت || مقالات

بقلم : عبدالله كدو
من شأن تتبع المسيرة السياسية للشعب الكردي في سوريا التوصل إلى نتيجة مفادها، أن
على الكرد تحييد الجغرافيا عن السياسة، والحفاظ على الاِسم التاريخي للمكان الذي يقيمون فيه، فهو شأن عام، و لا يجوز استفراد أي جماعة به، حيث أن كل المنتمين إلى المكان  شركاء فيه ، وإن أسماء الأوطان شبه أبدية، لا تتغير في المجتمعات الحرّة، إلا بموجب الدساتير، فإن سمح الشارع الكردي  بانتقال عدوى التغيير المستمر لأسماء الأحزاب و الكتل السياسية الكردية في سوريا  أو لواحقها، بفعل التغييرات السياسية العامة أو المحيطة، أو بفعل  الانشقاقات التنظيمية التي تتعرض لها بشكل مفرط، إن سمح بانتقال تلك العدوى إلى أسماء الجغرافيا الكردية، فلن تبقى للثوابت معنى في القاموس السياسي الكردي، علماً إن القوميين الكرد قد دفعوا ثمنا باهظاً في دفاعهم المستميت عن أسماء أماكنهم التاريخية ضد سياسات التعريب على مدى العقود المنصرمة ، حيث شملت، تلك السياسات، تعريب الأسماء الكردية الأصيلة للقرى و المدن و القلاع ( حصن الأكراد…) و الجبال( جبل الأكراد…)  وغيرها من الأسماء الكردية القديمة…علماً أن تشبث الكرد بذلك لا يعني بأنهم يبتعدون عن الجسم الوطني السوري الواحد، بقدر ما أنهم يريدون التأكيد على خصوصيتهم و أصالتهم وشراكتهم القديمة في الجغرافيا و التاريخ الذَيْن يتم تشويههما من قبل أولئك الذين يمارسون الاستعلاء القومي خطاباً وممارسة.

 


نعم الأهداف و الشعارات السياسية تتغير و تتبدل، لأنها مرتبطة بالواقع المتحرك، أما أسماء الأماكن ، فلا، حيث الجغرافيا التي نَخر فيها التاريخ المشترك لقاطنيها اسمَه، كما الزمن

عندما يَحفر على جبين البشر أخاديده التي تدل عليه.
لايحق لجماعة ما، بمفردها، أن تحوّر اسم المكان  او تبدّله، نزولا عند مقتضيات سياساتها الخاصة بها، فيظل اسم الوطن- المكان ، ثابتا رغم  تغير السياسات و الايديولوجيات عليه ، و عنده يلتقي كل المتنافسين و المتصارعين، من المنادين به ، أما ” كردستان سوريا ” ، هذا الجزء الذي أُلحق بالكيان الجديد المُحْدث الذي سُمّي “سوريا ” بموجب اتفاقية “سايكس بيكو” ، فقد تمت محاولات تبديل اسمه، ذلك الاسم الذي يرفضه،أصلا، النظام السوري و استطالاته  و أوساط أخرى .


خلال السنوات الأربعين المنصرمة،  بعد لجوء  أعضاء من حزب العمال الكردستاني، من تركيا إلى سوريا ، إثر انقلاب الجنرال كنعان أيفرين هناك ، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حيث استخدم الحزب اسما جديدا للمكان الذي لجأ إليه – كردستان سوريا – في أدبياته، ثم جاء أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم أتباع فلسفة مؤسس الحزب، عبدالله أوجلان، من الكرد السوريين الذين أطلقَ عليهم اسم  ” الآبوجيين” و منهم حزب الاتحاد الديمقراطي، و استخدموا أيضا أسماء جديدة للمكان ، لتتناوب عليه أسماء، تبدلت وفق تبدل  تكتيكهم أو موقعهم السياسي في سوريا،  فأطلقوا  عليه تارة ” الجزء الكردستاني الصغير

perçê kurdistanê biçûk
ثم  ” الجزء الجنوبي الغربي من كردستان ”    

perçê  başûrê rojavayê kurdistan.
ثم  ” غرب كردستان ”  kurdistan Rojavayê
ثم ” غرب ”  ( Rojava )     حيث أُسقِطت عنه لاحقة “كردستان”  تمهيداً لتشكيل “قوات سوريا الديمقراطية”،  ذلك لإخفاء الصبغة الكردية من الإسم ، ليأتي الإسم الأخير  “Rojava روجافا ” مجرداً من المدلول القومي الكردي الذي طالما يتغنى به حزب  الاتحاد الديمقراطي في الأوساط الكردية، فيما يخفيه في إعلامه الرسمي،  وتسمية روجافا تعني بالكردية  “الجهة الغربية”، فهل من المعقول أن يكون اسم موطن شعب، تابع لتكتيكات حزب أو تيار ؟.

جاء الاسم الأخير Rojava مناسبا لضم عناصر عربية وسريانية آشورية و تركمانية أو غيرها إلى قوات سوريا الديمقراطية ، فيما كانت الأحزاب الكردية تسميه “المناطق الكردية في سوريا “، أو “كردستان سوريا “، ذلك  إقراراً بالحقيقة من ناحية ، وفي سياق الرد على الدعايات الإعلامية المغرضة للسلطات الحاكمة المتعاقبة و أعوانها ، التي كانت تتهم الكرد بأنهم لاجئون  متسللون من وراء الحدود من ناحية أخرى .

 


لقد تمسكت الحركة الوطنية الكردية في سوريا  باسم المكان ، تمسكها بالجغرافيا و التاريخ ، في سياق الإثبات بأن الكرد السوريين إنما يقيمون على أرض أسلافهم ، و هم من أقدم شعوب المنطقة ، الأمر الذي يؤكده المؤرخ العربي هادي العلوي ، ردّاً على حملات الاستيطان و التعريب و التطهير العرقي ( الجينوسايد) في المجال الثقافي و غيره ، تلك التي  طالما استهدفت الكرد السوريين لإذابتهم في بوتقة القومية العربية السائدة التي كان يتغنى بها الانقلابيين البعثيين و غيرهم ممن كانوا مصرين على تعريب الكرد في سوريا ،  إلا أن  تلك النزعة العنصرية المقيتة التي كانت تتمّم أدوات الاستبداد و احتكار السلطة ، لم تؤثر على ارتباط الكرد  و تمسّكهم بالعيش المشترك في إطار الوطن السوري الجامع،  الوطن الذي  يُجمع كل الوطنيين السوريين  على صيانة استقلاله و وحدته .

آخر التحديثات
  • تابعونا على الفيسبوك

  • أتبعني على تويتر