من المتهم ؟!

آراء وقضايا 15 أبريل 2016 0
من المتهم ؟!
+ = -

منذ بداية الأزمة السورية و حتى هذه اللحظة ،النظام و أطراف المعارضة المختلفة و جميع المكونات و الطوائف في المجتمع السوري و حتى الدول في كل قارات العالم تدعو إلى المحافظة على وحدة الأراضي السورية .

.

فليست هناك دولة او قوة او تنظيم سوري او غير سوري دعى إلى تقسيم سوريا علنية .لكن من طرف أخرى كافة الأطراف تتهم غيرها بالعمل على تفكيك سوريا إلى دويلات و كيانات مستقلة او شبه مستقلة .فالنظام تتهم كافة المجموعات المعارضة و الدول الداعمة لها بالسعي لتقسيم سوريا، و المجموعات المعارضة تتهم النظام بالعمل على تقسيم سوريا على اساس طائفي ،و تتهم بعضها كمعارضة و مجموعات إسلامية متطرفة و سلفية و مجموعات مرتبطة بدول إقليمية و بمحاور مختلفة بالعمل لتفكيك سوريا .

.

و هناك من يتهم الكورد بالسعي لتقسيم سوريا و تشكيل كيان منفصل ، و يفسر كل خطوة كوردية حتى و لو كانت خطوة بسيطة و ليست ذات قيمة كبيرة يفسرها بالسعي للانفصال .فالكل متهم بالعمل لتفكيك و تقسيم سوريا من تنظيم داعش و جبهة النصرة و مجموعات المحسوبة على الجيش الحر و الوحدات و حتى اصغر مجموعة مسلحة في سورية البالغة عددها اكثر من 1500 مجموعة مسلحة ،و كل دول العالم متهمة في هذه النقطة كروسيا و الولايات المتحدة و الغرب عامة و إيران و تركيا و سعودية و قطر و إسرائيل .انها إذا مؤامرة كونية كما وصفها النظام منذ بدايات الأزمة ،او سعي لتدمير الإسلام كما يصفها المتشددين الإسلاميين ،او مؤامرة لقضاء على عروبة سوريا و تاسيس كيان في شمال سوريا تكون بمثابة إسرائيل ثانية كما يصفها العروبيين ، و الكورد اتهموا تركيا بالسعي لتقسيم سوريا و ربط بعض المناطق الشمالية بالدولة التركية ،و الاتراك اتهموا الكورد بالسعي لتأسيس كيان كوردي يشكل تهديدا للأمن الوطني التركي .و هناك من ادعى و اتهم الأطراف المختلفة بربط سوريا بالهلال الشيعي او ربطها بالمحور السني في المنطقة او إخراجها من محور الممانعة و إضعافها خدمة لإسرائيل .و الاتهامات لا تنتهي و القائمة طويلة تضم الآلاف من الشخصيات و المجموعات و الدول المتهمة ، و من سخرية القدر أن نظرية المؤامرة المتعششة في عقلية مجتمعنا يزداد رسوخا في تلك العقلية بفعل تعقيدات المشهد السوري.

.

رغم ان الازمة السورية هي ازمة خرجت من واقع المجتمع السوري الذي يعاني و لأكثر من 60 عاما من الدكتاتوريات و الطغيان و التسلط . و لكن هذا لا ينفي وجود قوى مرتبطة و دول تسعى لتحقيق أهداف على حساب المكونات السورية .و بقناعتي و بدون توجيه اتهام إلى اي طرف فإن الذين يعملون على تقسيم سوريا و الذين يعملون للمحافظة على وحدة سوريا يمكن معرفتهم من خلال عدة أمور أساسية :
– الأزمة السورية هي أزمة سياسية و حلها يكون سياسيا على اساس تحقيق العدالة الاجتماعية و طموح المكونات السورية كافة في الحرية و الديمقراطية .و كل من يعارض الحلول السياسية و يخلق العقبات أمام هذه الحلول فهو يسعى بطريقة مباشرة او غير مباشرة على إضعاف سوريا و بالتالي السعي لتقسيمها.

.

– سوريا دولة متعددة القوميات و الطوائف و الأديان ، و سوريين بحاجة إلى تأسيس و بناء نظام ديمقراطي تعددي يحقق الشراكة الفعلية لكافة المكونات و لا يقصي اي مكون بحجة انه يشكل أقلية او لانه ضعيف لا يستطيع حماية نفسه مثل المكونات الاخرى. و كل قوة تصر على حرمان مكون ما في بناء و تأسيس سوريا الديمقراطية و التعددية فهي تعمل على إضعاف سوريا مهما تحججت و ادعت انها تحافظ على وحدة الأراضي السورية.

.

– ادعاءات عروبة سوريا او ان الشعب السوري هو جزء من الأمة العربية هي إحدى الادعاءات التي تفيد و تغذي التفكيك و التقسيم . فلا أحد ينكر حقيقة أن العرب في سوريا هم جزء من الأمة العربية، مثلما نقول إن الكورد في سوريا هم جزء من الأمة الكوردية المنقسمة بين أربعة دول .و لكن سوريا دولة متعددة القوميات و الطوائف و الأديان و إنكار حقيقة هذه المكونات او اعتبارها عرب أو جزء من العروبة رغم انها من ثقافات أخرى و تملك لغات مختلفة عن العربية و لها كل المقومات التي تؤكد تمايزها و اختلافها ، هو الذي يشجع على إضعاف المجتمع السوري و تفكيكه .

.

المكونات التي لا تتأمل و لا تشعر بمصالحها في دولة لا تعترف بوجود و بحقوق تلك المكونات لا بدا ان تسعى و تناضل للحصول على حقوقها و اثبات هويتها القومية و الاثنية .و النضال من أجل الحقوق القومية ليست نضال من اجل الانفصال بالضرورة ، فالكورد مثلا في سوريا و منذ تأسيس الدولة السورية يناضلون من أجل تحقيق حقوقهم القومية و الاعتراف بهويتهم القومية في إطار سوريا موحدة ، و لكنهم دائما اتهموا من العروبيين و العنصريين بالسعي لتقسيم سوريا و الانفصالية .اذا سوريا المستقبل يجب ان تكون دولة ديمقراطية منفتحةو ليست دولة قومية صرفة ،و يجب ان لا تضحي بكل المكونات من اجل اثبات عروبة سوريا، او ابعاد كل الطوائف عن المشاركة من اجل طائفة واحدة.

.

و هذه ليست دعوة لبناء دولة ذات نظام طائفي بل هي تأكيد على مشاركة كل المكونات بشكل عادل .و يجب ان يتم احترام كل المكونات حتى و ان كان عدد أحد هذه المكونات لا تتعدى المئات او العشرات .فنامبيا دولة اشتقت اسمها من اسم أصغر قبيلة فيها ،احتراما للأقلية. و اي دولة تحترم نفسها تعامل كل الأقليات بعدالة و مساواة و لا تنقص من حقوقها تحت حجج واهية لا اساس لها من الصحة .و الدولة المتعددة القوميات و المكونات هي دولة غنية بثقافتها و تنوعها اذا ما تم بناء نظام عادل يحمي كل هذه القوميات و المكونات .و كل المطالب التي تندرج تحت مسميات كالحكم الذاتي او الإدارة الذاتية او الفيدرالية لا علاقة لها بالانفصال و التقسيم ،بل بالعكس فالفيدرالية تعني الاتحاد و اقوى الأنظمة و الدول في العالم هي دول ذات نظام فيدرالي، و سوريا بتنوعها الثقافي و الاثني بحاجة إلى نظام فيدرالي يحقق الشراكة الفعلية لكل المكونات و ينقذ سوريا من التفكيك و الانقسام .

.

-الحل في سوريا هو في تأسيس نظام ديمقراطي لامركزي و علماني ، و ليس مهما التسميات بل المهم هو أن يكون نظاما يشارك فيها كل المكونات بشكل عادل ، فما فائدة اسم العراق الفيدرالي او الاتحادي و ما تزال العراق يتحكم فيها الطائفية و لم تستطع التخلص من التبعية ، اذا ما يهم هو الجوهر و ليس التسميات ، اي الاتفاق و التوافق على كل التفاصيل التي تؤكد على المشاركة الفعالة لكل المكونات ، و ليس في فرض نظام ديكتاتوري قومي او ديني او مذهبي ، و لذلك فكل من ساند و دعم القوى و المجموعات و الاحزاب العنصرية و القومية و الاسلامية المتطرفة في السلطة و خارج السلطة ، و خاصة تلك الدول التي تدخلت مباشرة في سوريا او عبر دعم المجموعات المتطرفة الدينية و القومية المتطرفة ساهموا في تفكيك الكيان السوري .

.

هناك حقيقة ان السوريين باغلبيتهم مسلمين و لكن لا يمكن إدارة سوريا بنظام ديني متشدد فسوريا بلد متعدد الديانات و المذاهب و تحتاج إلى نظام ديمقراطي اعتدالي غير متشدد تحترم كل الأديان و الطوائف ،و لذلك فإن كافة التنظيمات مثل داعش و فرع القاعدة في بلاد الشام و ما يسمى بجيش الإسلام و حركة احرار الشام الاسلامية و غيرها من التنظيمات السلفية و الاسلامية هي حركات خطيرة في أفكارها و ممارساتها البعيدة عن القيم الإنسانية و تتستر بالأفكار الدينية مستفيدة من الواقع المجتمع السوري و ما خلقته هذه الأزمة من تناقضات و إشكالات .

.

– اذا المحافظين على وحدة الأراضي السورية هم من قدموا المشاريع لحل ديمقراطي توافقي على أسس وطنية غير مرتبطة باجندات و محاور دولية او إقليمية .و لم يكونوا في يوما من الأيام سببا في تقسيمها كما يدعي بعض العنصريين .و هم حاولوا و يحاولون الحفاظ على سوريا موحدة ،و لكن لو حدث التقسيم فإنهم على الاقل حاول منع ذلك، و العنصريبن و المتطرفين و المرتبطين باجندات دولية و إقليمية هم السبب الأساسي في كل ما حصل و يحصل لسوريا من تدمير و قتل و تشريد و تفكيك لهذا البلد الذي تحول إلى ساحة لتصفيات الحسابات الإقليمية و الحسابات المذهبية و الطائفية .

.

نورالدين عمر

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك