كوردستان ما بعد الاستفتاء

آراء وقضايا 18 نوفمبر 2017 0
كوردستان ما بعد الاستفتاء
+ = -

إنّ الاستفتاء كان حقاً طبيعياً للشعب الكردستاني (نعني مكونات كردستان جميعها ) بعد أن خرقت الحكومة المركزية الدستور الضامن لوحدة العراق , وتهربهم االمتكرر والدائم من تطبيق الدستورالذي يقرّ بالحقوق الدستورية للإقليم والعراق نحو الديمقراطية والتعددية والفيدرالية .

.
واتخذت الحكومة المركزية من الاستفتاء ذريعةً للهجوم على كردستان واحتلاله عسكرياً بحجة فرض الأمن والاستقرار . وكان هذا أكبر خرق للدستور العراقي لأنّ الدستور يمنع استخدام القوة بين المركز والإقليم لحلّ المشاكل العالقة . وأرادت الحكومة المركزية في بغداد وبدعم ثلاثي (إيراني –تركي –والعراق ) بأن تقضي على كل مكتسبات شعب كردستان وإلغاء الفيدرالية وأخذ المطارات والمنافذ الحدودية وتحويله إلى محافظات كما هو الحال كالموصل وتكريت . وتعامل الحشد الشعبي مع السكان الكردستانيين معاملة لاتختلف عن معاملة داعش لهم , إنّه اكتسب صفة احتلال عسكري وأرادوا المجيئ إلى هولير , إلا إنّ البيشمركة الأبطال تصدوا لهم وأوقفوهم في كل من بردي , مخمور ,زمار وسيمالكا وكبدتهم خسائر فادحة , وتوقف الزحف على كردستان .

خسائر كردستان كانت مؤلمة , خسارة كل المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم (المتنازع عليها ) , إغلاق المطارات إلى الخارج،، والاستيلاء على حقول النفط وحصار كردستان من قبل الدول الثلاث
لكل حساباته..

 

إيران أوقفت الأنبوب النفطي من كركوك إلى تركيا ووجّهته إلى الأراضى الإيرانية، وكانت خسارة فادحة لتركيا ,حيث أغلقت إيران منافذها الحدودية مع كردستان , فأغدقت تركيا ببضائعها أسواق كردستان والعراق , خسرت إيران أسواق العراق . مجيئ الحشد ومحاولة احتلال سيمالكا لفصل كردستان العراق عن كردستان سوريا , أقلقت أمريكا كونه لم يبقى لها أيّ طريق للوصول براً إلى قواعدها في كردستان سوريا , وارتفعت الأصوات من بين الحشد بطرد الأمريكان من العراق .

 

صارعت تركيا بتصحيح الخطأ وطمأن الإقليم بأنّ المياه ستعود إلى مجراها الطبيعي . وقامت إيران بالإسراع بفتح منافذها الحدودية مع كردستان وأمريكا من جهتها , هددت الحشد والجيش العراقي بعدم التقرب من الخط الأزرق ومنفذ سيمالكا وهددت بضرب أي قوة تقترب من النقطة الحدودية .وهددت تركيا بأنّها ستحول أنبوب النفط الكردستاني من تركيا باتجاه كردستان سوريا.وأرسلت وفداً من التحالف الدولي إلى الإقليم ، وأكّدوا على دعم وتدريب البيشمركة،، ودرس الكونغرس مشروع قرارٍ لمساعدة كردستان دون الالتزام بوحدة الأراضي العراقية .

من جهته قام إقليم كردستان بخطوات دبلوماسية ناجحة وملموسة أولها رفض جناب الرئيس مسعود البارزاني بتجديد ولايته وتسليم مهامه للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الإقليم وبقي في صفوف البيشمركة المهنة التى طالما افتخر بها جناب الرئيس البيشمركة .

الحكومة الكردستانية من جانبها , أبدت مرونة كبيرة للوصول إلى حلٍّ سلميٍّ من خلال تجميد نتائج الاستفتاء وقبول تفسير المادة الأولى من الدستور العراقي . وطالب بإلحاح بفتح باب المفاوضات بشكل جديّ وتطبيق الدستور بكامل مواده لا مواد مختارة . وتدويل تفسير الدستور ,

وهدد بأنّه إذا لم تتجاوب الحكومة العراقية لمساعي المفاوضات فإنّ الكورد سينسحبون من العملية السياسية، وهذا الكلام قيل من قبل برلمان كردستان ل ستة وثلاثين قنصلاً دولياً في كردستان .

أمام هذا التحدي , أبدت كل من الأمم المتحدة , مجلس الأمن الدولي , والاتحاد الأوربي , والدول العظمى , تأييدها لخطوات حكومة إقليم كردستان ودعمها اللا محدود للحكومة الكردستانية , وطالبوا بعراق موحد قوي إلى جانب كردستان موحد وقوي . الحكومة العراقية من جانبها خففت من تعاطيها المتعجرف مع الإقليم وأبدت مرونة كبيرة بتقبل خطوات حكومة الإقليم ورفعت حظر تعامل البنك المركزي العراقي مع بنوك كردستان وشكلت وفداً للتفاوض مع الإقليم , وهناك مفاوضات سرية متقدمة بين الطرفين .

رغم كل شئ , يبقى القرار التاريخي للشعب الكردستاني بالاستفتاء أحد أهم مكتسبات الكردستانيين , في القرن العشرين حيث أوضحوا للعالم أجمع و بصورة حضارية وديمقراطية لا غبار عليها , وبمشاركة كل المكونات في إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها ,.بأنهم يريدون الاستقلال , بكامل الجغرافية الكردستانية وبكل مكونات كردستان 92,3 طالبوا بكردستان فيدرالي تعددي مستقل .

 

لكن , العلاقات الودية , بين الإقليم وأمريكا والعالم الغربي قد تأثرت وعلى الكردستانيين ( من هنا سنعني بكردستان كل كردستان وليس كردستان العراق وحده )مراعاة مصالح تلك الدول ومواقفهم بالرغم من أنهم لم يدعموا كردستان لكنهم في نفس الوقت لم يرفضوا العملية وبدؤا بتصحيح العلاقات .وعلينا ككردستانيين التعامل مع السياسة من باب المصالح وليس العواطف والمواقف .

علينا تصحيح الخطأ الحاصل في العلاقات مع أمريكا والغرب , والحذر من دول الجوار والإقدام بقوة نحو الحلّ السلميّ ،وعدم اللجوء إلى التصعيد والتوتر واختيار التفاوض كأفضل سبيل وعدم التسرع .
الشرق الأوسط أمام تغييرات جذرية , و لكل دولة مصالحها ولنا مصالحنا ويجب أن نوفق بين المصالح المختلفة وننظر بصبر إلى الاستحقاقات الكردستانية التاريخية وهي قادمة على الطريق .

على كردستان أخذ المصالح الأمريكية والغربية بعين الاعتبار , والسير في موكب يساير تلك المصالح وعدم التصادم معها , لأنّ تلك الدول الكبرى لاتعتمد الأخلاق في اعتباراتها ، كل اعتباراتها هي مصالحها القومية وعلينا معرفتها تماماً والايحاء بأننا جزء من هذا المسار وعدم المساس بتلك المصالح وحمايتها لكي نستطيع حماية مصالحنا أيضاً .

علينا أيضاً أن نعرف , بأننا قوة مقبولة غربياً , وأصبح الغرب يعلم بأنّ الكردستانيين قريبون من القيم الثقافيةالغربية , ومستعدون أن يتعايشوا مع الغير المختلف دينياً وعرقياً , والتعايش المشترك المسالم مع الآخرين وهذا الامتحان تم تجاوزه وتعرف عليه الغرب بكل دقة . يعرف الأمريكي والبريطاني والفرنسي بأنه لن يستطيع النوم قرير العين في أي بقعة في الشرق الأوسط غير أرض كردستان .
لم يُقتل جندي أمريكي أو غربي واحد في كردستان وكان الكثير من الجنود الغربيين يقضون إجازاتهم في كردستان بدلاً من السفر إلى بلدانهم .

 

 

أمريكا أعادت تقييم سياستها الخاطئة تجاه كردستان وكذلك الدول الغربية الأخرى , تجاه أحداث 16\10\2017 وهو اجتياح القوات العراقية المدعومة إيرانياً وتركيا , لأراضي كردستان . وعلم الغرب بأنّ فقدان كردستان لحلفائها الحقيقيين يعرّض مصالحها للخطر. لذلك على الغرب قبول الطموح الحقيقي للكورد نحو الحرية والاستقلال . خاصة وأنّ الشرق الأوسط قادم نحو تغييرات جغرافية وسياسية .
وأثبت الكورد بأنهم قوة فاعلة على الأرض لمحاربة العدو المشترك للكورد والغرب على الأرض وقد حققوا انتصاراتٍ رائعة بدلاً عن الإنسانية جمعاء بهزيمة أسطورة داعش , وهذا لن ينساه الغرب أبداً .

 

إنّ أية خسارة أو ضعف للكورد , سيؤدي إلى ضعف النفوذ الغربي أيضاً في الشرق الأوسط , وسيصعب على أمريكا والغرب ضبط الأمور وعدم ضمان عودة داعش والقاعدة مرة أخرى , وكذلك سينافس القوى الإقليمية المتشكلة حديثاً والتى أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على المصالح الغربية في المنطقة كإيران وتركيا .

 

من المفروض إن تقوم , أمريكا والغرب , بإنقاذ التحالف التاريخي بينهم وبين الكردستانيين , وبناء تحالف قوى على أسس قوية , تضع لها خطوط حمراء بعدم تجاوزها من قبل دول المنطقة وحماية كردستان بقوة حتى تستطيع هى البقاء في الشرق الأوسط المتقلب والمتغير .
كردستانياً , علينا أن نقوم بعملية تطبيع العلاقات بين الفصائل المختلفة والتصالح مع بعض ومع الشعب . وعلينا التفكير ملياً بالانتقال من أحزاب لأشخاص وعوائل ومناطق إلى أحزاب كردستانية مؤسساتية تخدم جميع الكردستانيين . وعلينا جميعا أن نحترم القرار المستقل للاخر وعدم التعامل كاخ صغير او اخ عائق . وعلينا أيضاً أن نحترم شخصه و علاقاته وشعبه وأن يكون شعب كل جزء هو مرجعية ذلك الشعب وأن تكون قياداته منتخبة من قبل الشعب ذاك الجزء نفسه .

 

علينا ترتيب البيت الكوردي والكردستاني . والقيام بإصلاحات عميقة وجذرية في الفكر السياسي والحزبي الكوردي . لن يفيدنا الأحزاب الايديولوجية المغلقة , ولن يفيدنا تبعية جزء لآخر وحزب لحزب آخر . وأن تتحول أحزابنا إلى أحزاب جماهيرية معتدلة تؤمن بالآخر المختلف وتتعايش مع ثقافة المعارض .

 

في كردستان الكبرى حتى الآن هناك ثلاث مراكز مؤثرة على القرار الكردستاني , وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق الاتحاد الوطنى الكردستاني العراق , وحزب العمال الكردستاني .يجب تطبيع العلاقات بين المراكز الثلاث , وإن لم يتوافقوا فإنّ لا ينقلوا خلافاتهم للأجزاء الأخرى , وعليهم دعم أحزاب الأجزاء الأخرى وبناء علاقات كردستانية في فضاء صاف بعيداً عن الهيمنة والتبعية . ويجب على الأحزاب خارج هذه الأحزاب الثلاث لعب دوراً إيجابياً في تطبيع العلاقات الكردستانية وأن لا نتحول إلى أبواق نردد شعارات لانعرف معناها ومغزاها . أعتقد أولاً على مثقفي الشعب الكردستاني , ووجهائه , وسياسيه وكتابه ونقاده , والبحث عن آلية تنسق العمل الكرستاني وتلعب دوراً في تدويل القضية الكوردية وإعطاء السياسة الكوردية عمقاً دبلوماسياً متحضراً ،وفتح العلاقات مع العالم الخارجي الواسع والعمل على تأسيس مؤتمر قومي كردستاني بعيداً عن الهيمنة الحزبية يقوده المثقفون والأكاديميون والنشطاء والنقاد والكتاب والسياسيين , لإيصال صوت شعب كردستان إلى العالم الخارجي وتعريف القضية الكوردية العادلة للعالم ..

.

الدكتور كاوا ازيزي

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك