اردوغان يتهم النظام السوري بالوقوف خلف احدث التي جرت في تركيا

ملفات ساخنة 11 أكتوبر 2014 0
+ = -

يعيش الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ظروفا صعبة للغاية هذه الايام تتمثل في اعمال التظاهر والشغب التي تسود معظم المدن التركية، وادت الصدامات التي تقع بين المتظاهرين ومعظمهم من الاكراد الى سقوط ما يقرب من الثلاثين قتيلا.

الرئيس اردوغان قال ان اطرافا عدة تقف خلف هذه الاحتجاجات التي تريد اعادة تركيا الى التسعينات حيث كانت الفوضى في ذروتها، من بينها النظام السوري بذريعة الاحتجاج على هجمات “الدولة الاسلامية” التي تستهدف مدينة عين العرب (كوباني) السورية.

غضب الرئيس اردوغان يبدو شرعيا ومبررا، فأحداث الشغب التي تشهدها مدن تركية هذه الايام تهدد كل الانجازات الضخمة التي حققها طوال السنوات العشر الاخيرة، وبلغت ابهى صورها باحتلال بلاده المرتبة الخامسة عشرة كأقوى اقتصاد في العالم.

اطراف عديدة تريد افشال تجربة الرئيس اردوغان وحزبه الناجحة في معظم المجالات، من بينها احزاب المعارضة العلمانية، مثل حزب الشعب الدستوري، والحزب القومي، وحركة فتح الله غولن الداعية الاسلامي المقيم في الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني المتطرف علاوة على النظام السوري.

نستغرب استغراب الرئيس اردوغان وقوف جميع هذه القوى المتنافرة بل والمتضادة ايديولوجيا ضده، موحدة او متفرقة، وعملها على افشال تجربته واطاحة حكمه من خلال التظاهر، فالتظاهر السلمي هو احد ابرز اوجه الديمقراطية التي اكد انه سيحافظ عليها في خطابه الذي القاه اثناء افتتاحه مشاريع تنموية في مدينة ريزة مسقط رأسه، وعبر عن مرارته من مؤامرات ما اطلق عليه اسم “الكيان الموازي”.

فاذا كان الرئيس اردوغان على سبيل المثال يشترط اسقاط النظام السوري الملطخة اياديه بالدماء في سورية، جنبا الى جنب مع المشروع الامريكي للقضاء على “الدولة الاسلامية” الارهابية فان عليه ان لا يقف هذا النظام مكتوف الايدي، ولا ينتهز اي فرصة ممكنة للتحالف مع اعدائه (اعداء اردوغان) للانتقام.

الرئيس اردوغان دعم المعارضة السورية سواء باستضافتها على اراضي بلاده، والسماح بمرور الاموال والاسلحة والمتطوعين اليها من مختلف انحاء العالم، واعلنت الولايات المتحدة امس انه وافق على تدريب هذه المعارضة وتسليحها، ولذلك كان من المفترض ان يتوقع سياسي محنك مثله ان يحاول النظام السوري الانتقام، ودعم المعارضة الكردية التي تريد افشال تجربته الديمقراطية والاقتصادية الناجحة.

مدينة عين العرب (كوباني) تشكل التحدي الاكبر للرئيس اردوغان، والمصيدة التي نصبت بعناية فائقة لاصطياده لانه سيكوت خاسرا اذا رفض الانخراط في الحرب ضد “الدولة الاسلامية”، وسيكون خاسرا ايضا اذا رضخ للضغوط الامريكية وارسل دباباته لمحاربتها واخراج رجالها (الدولة الاسلامية) من المدينة.

في الحالة الاولى، اي رفض التدخل، سيخسر دعم اكثر من عشرين مليونا من شعبه معظمهم من الاكراد، علاوة على حلفائه العرب والامريكيين وتحالفهم المكون من خمسين دولة، واذا وافق على التدخل، فانه سيهدد امنه الداخلي، وسيعرض قطاع السياحة للخطر لان لـ “الدولة الاسلامية” انصار داخل تركيا نفسها، وهناك اكثر من الفي تركي يحاربون في صفوفها.

الرئيس اردوغان سياسي متمرس ويتمتع بدهاء لم تشهد مثله تركيا على مدى اكثر من مئة عام، وهذا الدهاء هو الذي جعله يكتسح كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية على مدى 15 عاما تقريبا، ولكن يبدو ان حساباته الاخيرة، وخاصة في سورية لم تكن دقيقة، فقد اخطأ تقدير قوة النظام السوري، والتفاف معظم الجيش وقطاع عريض من المواطنين حوله، فمعظم الجيوش العربية انهارت مثل الجيش العراقي واليمني والليبي، ولكن الجيش السوري كسر هذه القاعدة حتى الآن.

الرئيس اردوغان قدم تجربة نموذجية في التزاوج بين الاسلام والديمقراطية، وخلق ثورة ادارية تمجد قيم العمل والانتاج وجاءت النتيجة ازدهارا اقتصاديا اثار حسد الغرب قبل الشرق، وكان من الطبيعي ان تتكاثر المؤامرات ضده، وان تتوحد قوى شرقية وغربية لافشال هذه التجربة النموذج، ولا احد يتمنى لهذه “المؤامرة” النجاح اذا كان يقف في الخندق الآخر في وجه الاستعمار الغربي ومخططاته للتمزيق والتفتيت واذلال الامتين العربية والاسلامية.

التاريخ سيكشف لنا او لابنائنا الكثير من الحقائق في المستقبل، ونحن على ثقة ان من بينها مخطط غربي لاجهاض التجربة التركية الناجحة جرى اعداده بعناية، واول عناوينه توريط تركيا في حروب وتدخلات تجنبتها طويلا، ونسف استراتيجيتها الناجحة التي تبناها اردوغان منذ بداية حكمه اي “صفر مشاكل” مع الجيران وكانت العمود الفقري لمعظم انجازاته.

الرئيس اردوغان لم يؤمن مطلقا بنظرية “المؤامرة” التي ظل الجار السوري يصرخ متألما من نيرانها، ولكن من المؤكد انه سيدرك الآن انه يواجه والامة الاسلامية كلها “مؤامرة” مماثلة ان لم تكن اكثر خطورة.

الازمة السورية بدأت باطلاق قوات النظام السوري النار على المتظاهرين، والازمة التركية بدأت بسيناريو مماثل، وعدد القتلى كان متشابها في الحالتين وان اختلفت ظروف البلدين، والنظامين، فالنظام التركي ديمقراطي، والسوري ديكتاتوري، ولكن لم يتوقع احد ان تستمر الحرب في سورية ثلاثة اعوام ونصف العام، ونأمل ان لا تعود تركيا الى مرحلة التسعينات الدموية التي حذر منها اردوغان في خطابه اليوم.

 

“راي اليوم”

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك