إراقة الدم الكردي لماذا ؟ ولمصلحة من ؟ يكتبها سكرتير الحزب المحامي مصطفى أوسو

آراء وقضايا 26 يوليو 2013 0
+ = -

  ما حدث في مدينة عامودا، مساء يوم السابع والعشرين من شهر حزيران الجاري، من إطلاق الرصاص القاتل لمسلحي الأسايش وقوات الحماية الشعبية ( YPG )، التابع لمجلس الشعب لغربي كردستان، على المظاهرة السلمية، للأهالي ونشطاء الحراك السياسي والشبابي، احتجاجاً على احتجاز ثلاثة ناشطين، وللمطالبة بالإفراج عنهم، وما نجم عنها من استشهاد ستة أشخاص وجرح عدد كبير آخر، والاعتداء على مقرات الأحزاب الكردية وحرقها، والقيام بمداهمة البيوت وملاحقة المواطنين وترهيبهم واعتقال العشرات منهم وتعذيبهم وكيل الاتهامات الباطلة لهم، وفبركة الأكاذيب بحقهم.

  وما حدث أيضاً، صبيحة اليوم التالي، من انتشار كثيف للقناصة التابعة لهم فوق أسطح المنازل، لمنع تشييع الشهداء، واستخدام تلك القوات العنف والقوة المفرطة لقمع المظاهرات في عدد من المناطق الكردية، وكذلك الاعتداء الآثم على مقرات بعض أحزاب المجلس الوطني الكردي في قامشلو وديرك.

 وما حدث قبل ذلك بأيام قلائل في بعض المدن والبلدات الكردية الأخرى، من ممارسات وتصرفات وأعمال قتل وتخريب مماثلة: بلدة تل غزال التابعة لمنطقة كوباني ( عين العرب )، ومنطقة عفرين.

 أن كل ذلك، تعتبر دون أدنى شك جرائم سياسية، تستهدف قمع وإسكات حرية الرأي والتفكير السياسي المخالف للرؤى والتوجهات السياسية لتلك الجماعة، التي تتبنى النهج الشمولي والرأي الأوحد، وهي محل الشجب والإدانة الشديدين من قبل كل تعز عليهم قضية الإنسان وحقه في الحياة والحرية والكرامة وإبداء الرأي، والحفاظ أيضاً على السلم الأهلي في المنطقة.

  ولا غرابة أبداً، أن يتم استهداف هذه المدينة وبهذا الشكل السافر الهمجي والوحشي، لأنها أصبحت بالفعل رمزاً وعنواناً للمدن الكردية الثائرة ضد النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم، وأصبح أسمها على فم ولسان كل مواطن سوري، من أقصى شرق سوريا إلى أقصى غربها ومن أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، فهي التي صرخت مع صرخات السوريين وتوجعت مع أوجاعهم في كل مناطقهم وبلداتهم، وتضامنت بقوة مع درعا مهد الثورة وحمص وأدلب وحماه ودير الزور ودمشق وريفها واللاذقية وطرطوس وحلب وريفها والسويداء والرقة، وكل القرى والمدن السورية المنتفضة، وهي التي تفاعلت وتناغمت بأجمل ما يكون مع الثورة المباركة للشعب السوري، ومنذ الأيام الأولى لاندلاعها، وهدرت بملء حناجر شيبها وشبابها ورجالها ونساءها وحتى أطفالها، بكلمة آزادي ( حرية )، والتي أصبحت كلمة محببة لدى جميع أبناء الشعب السوري في مظاهراتهم وتجمعاتهم وفعالياتهم المختلفة، وهي أيضاً من المدن السورية الأولى التي رفعت شعارات: الشعب يريد إسقاط النظام، واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، كما أنها مزقت وحطمت وكسرت منذ الأيام الأولى للثورة السورية، صور النظام المجرم الحاكم وتماثيله، وأزالتها تماماً من شوارع وساحات المدينة، وكل ذلك بهدف إخماد الحراك الثوري فيها وفي عموم المناطق الكردية.

  وإذا أمعنا قليلاً في دراسة وتحليل ما جرى في عامودا والمدن الكردية، فأنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال، عزلها عن السياق العام لما يحدث في سوريا بشكل عام، فالنظام الدموي القاتل، عمد في هذه الفترة وبشكل لافت، إلى تصعيد عمليات القتل والقمع والتنكيل والإرهاب والتخريب والتدمير وارتكاب المجازر الجماعية، بحق الشعب السوري، وباستخدام مختلف أشكال وصنوف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، كما لا يمكننا أيضاً عزلها عن السياقات الدولية والإقليمية الجارية لعقد مؤتمر دولي ( مؤتمر جنيف 2 )، لإيجاد مخرج سياسي للحالة السورية الراهنة، فالنظام القمعي الحاكم، المدعوم والمسنود سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وميدانياً، من حلفاءه ( روسيا، إيران، حزب الله )، يحاول جاهداً وبشتى الوسائل، إحداث اختراقات جديدة على الأرض، بعد الاختراق الذي أحدثه في بعض مناطق محافظة حمص ( القصير، تل كلخ )، قبيل انعقاد هذا المؤتمر، لتحسين وضعه وتعزيز موقعه، بما يمكنه ويمكن حلفاءه من فرض أملاءاتهم وشروطهم. وقد جاءت هذه الفتنة الغادرة والمدبرة، بتوقيتها وظروفها، على طبق من ذهب، لمصلحة النظام وخدمة لأهدافه وأجنداته الخاصة.

  ونود أن نؤكد هنا، أنه وكما فشلت الأنظمة السورية المتعاقبة، في كسر صمود شعبنا الكردي وتطويعه ومصادرة إرادته النضالية، خلال المراحل التاريخية المختلفة، وبشكل خاص أبناء مدينة عامودا المعمدة والمجبولة بدماء الشهداء الأطفال، ضحايا حريق سينما شهرزاد 1960 ودماء شهداء انتفاضة الثاني عشر من آذار 2004 فأن هذه الحملة الشرسة ستبوء أيضاً بالفشل الذريع، ولن تكون مصيرها بأفضل من مصير سابقاتها، لتبقى عامودا وكما اعتدناها، منارة للصمود والإرادة والنضال الكردي، حتى يتم تأمين حقوق شعبنا وتحقيق طموحاته القومية والديمقراطية المشروعة، بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه، في إطار سوريا اتحادية، ديمقراطية، تعددية، تشاركية، برلمانية، تسودها مبادئ الحق والعدالة والمساواة، وفق القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية.

  وفي الحقيقة فأن من ما جرى في مدينة عامودا والمدن الكردية الأخرى، هز من الأعماق الضمير والوجدان الكردي والوطني السوري بشكل عام في كل مكان، وهذا الأمر يفرض علينا في المجلس الوطني كردي، ضرورة إعادة النظر في أسس تعاوننا وتنسيقنا، مع مجلس الشعب لغربي كردستان، وبشكل خاص اتفاقية هولير، ولجانها وهيئاتها المشتركة المختلفة، وبالأخص، الهيئة الكردية العليا، التي كانت بقيت طوال الفترة الماضية شكلاً فارغاً من أي مضمون في العلاقة بين المجلسين، المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغربي كردستان، ولكنها شرعنت الممارسات القمعية الإجرامية التي يقوم بها، مجلس الشعب لغربي كردستان، بحق أبناء شعبنا الكردي في كردستان سوريا، في مختلف مناطقه وبلداته وقراه، وكذلك البدء بالعمل الجاد من أجل تفعيل دور المجلس الوطني الكردي في سوريا وتوحيد مواقفه وقراره السياسي، والتعاون والتنسيق مع جميع الأحزاب والتيارات السياسية الكردية والفعاليات الشبابية والاجتماعية والثقافية والحقوقية الأخرى في المجتمع الكردي، من أجل الوصول معاً إلى صيغ جديدة للتعاون والتنسيق والعمل المشترك، تنسجم مع ظروف هذه المرحلة الدقيقة والهامة، على أساس الشراكة الكاملة، وبعيداً عن أي شكل من أشكال الإقصاء والإلغاء، وغيرها من الأساليب الشمولية التي عفى عنها الزمن، وكذلك التنسيق والتعاون مع المعارضة السورية، وبشكل خاص الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، من أجل توحيد الصفوف وإنهاء حالة الانقسام فيها، مما يساهم في التعجيل بسقوط النظام ورحيله، وإنهاء حالة القمع والاستبداد في البلاد، والتصدي لتحديات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها على مختلف الأصعدة.

  ختاماً، لا يسعنا إلا أن نتقدم بالتعازي القلبية الحارة لأبناء شعبنا الكردي ولذوي الشهداء في مدينة عامودا والمدن الكردية الأخرى، الذين سقطوا جراء هذه الأعمال والتصرفات البربرية والوحشية، متمنين الشفاء العاجل للجرحى والمصابين، والحرية لجميع المعتقلين، ونطالب بمحاسبة مرتكبي ومنفذي هذه الجريمة البشعة ومدبريها ومخططيها، وإنزال أقصى العقوبات القانونية بحقهم.




المحامي : مصطفى اوسو
سكرتير حزب آزادي الكردي في سوريا
موبايل : 0933717393

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك